حينما كان المسلمون أمةً واحدة، وكانت تلك الأمة تضم بين جنباتها أعراقًا كثيرةً منها العربي والفارسي والرومي والحبشي؛ كانت عقيدة الإسلام تصهر في بوتقتها كل هاتيك الثقافات المتنوعة؛ لتنفي خبثها وتنقي الطيب منها وتحفظه حكمةً للمؤمنين أولى الناس بالحق. وكانت تلك الأمة الواحدة تتحمل رسالتها وتقوم بوظيفتها الجليلة في إصلاح نفسها وعالم الناس، في ظل التعلق بشخصية النبي الكريم الذي اصطفا الله تعالى وأدبه واصطنعه لبلاغ رسالته، وأرسله رحمةً وهدايةً؛ ليخرج به الناس من ظلمات الكفر والضلال إلى نور الإسلام؛ حتى شهد بذلك الكافر المجاهر بالعداوة. قال أبو سفيان في زمان جاهليته لزيد بن الدثنة -رضي الله عنه- وقد اقتاده المشركون ليقتلوه خارج أرض الحرم: أنشدك الله يا زيد، أتحب أن محمدًا عندنا الآن مكانك نضرب عنقه وأنك في أهلك؟ قال: والله ما أحب أن محمدًا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأنا جالس في أهلي. قال أبو سفيان: ما رأيت في الناس أحدًا يحب أحدًا كحب أصحاب محمدٍ محمدًا[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. ولم تكن هذه المحبة ضربًا من التعصب للسيد المقدم في الأمة، ولا مجرد تقديرٍ لقائدٍ متفردٍ في الحكمة؛ بل هي ركن أصيل في اعتقاد كل مسلمٍ مؤمنٍ، ولقد قال الرسول نفسه -صلى الله عليه وآله وسلم-: «لا يؤمن الرجل حتى أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين»[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. وأخرج الإمام البخاري في صحيحه عن عبد الله بن هشام قال: كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك». فقال له عمر: فإنه الآن، والله لأنت أحب إليَّ من نفسي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الآن يا عمر»[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. مكانة الرسول في قلوب الصحابة ولقد كان الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- باب معرفة الله تعالى ومعرفة شرعه وتفصيل تكاليف أوامره ونواهيه لعباده على النحو الذي تترجمه كلمة التوحيد الواجبة «لا إله إلا الله، محمد رسول الله». وكان اتباعه هو باب الفوز بمحبة الله تعالى ورضاه: ]قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ[ (آل عمران: 31- 32). لكن العمل لا يكون طاعة بمجرد الاتباع حتى ينضم إليه الرضا والتسليم: ]فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [(النساء: 65). وقال الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به»[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. وكما جمع الله تعالى بين طاعته وطاعة رسوله، جمع بين محبته تعالى ومحبة الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- وقرع من يقدم على محبة الله والرسول محبة شيءٍ من الخلق مهما كانت مكانته في نفس العبد: ]قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ[ (التوبة: 24). وقال الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار»[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. لهذا رقد علي بن أبي طالب في فراش الرسول ليلة الهجرة، وكان أبو بكر الصديق رفيق هجرته يغاير في جهات مسيره معه خوف مفاجأة العدو، وكانت نسيبة بنت كعب أم عمارة المازنية تترس عنه بجسدها في غزوة أحد. وحينما هجا بعض مشركي قريش رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أجابه حسان بن ثابت رضي الله عنه قائلا: هجوت محمدًا فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء هجوت مطهرًا برا حنيفًا أمين الله شيمته الوفــاء أتهجوه ولست له بكفءٍ فشركما لخيركمـا الفداء هذه أمثلة تبين مكانة الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- في قلوب أصحابه، وقد عبرت عنها أفعالهم وأقوالهم التي تتعاظم على الحصر، ورسخ القرآن الكريم هذه المكانة بتشريع نسقٍ خاص في التعامل مع الرسول الكريم، على نحو ما نجده في صدر سورة الحجرات: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ[ (الحجرات: 1- 3). ومما يظهر انفعال الصحابة -رضي الله عنهم- بهذه الآيات ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه بإسناده عن أنس بن مالك أنه قال: لما نزلت هذه الآية ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ [جلس ثابت بن قيس في بيته، وقال: أنا من أهل النار. واحتبس عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- سعد بن معاذ، فقال: «يا أبا عمرٍو، ما شأن ثابتٍ؟ أشتكى؟» قال سعد: إنه لجاري وما علمت له بشكوى. قال: فأتاه سعد فذكر له قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال ثابت: أنزلت هذه الآية ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأنا من أهل النار. فذكر ذلك سعد للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل هو من أهل الجنة»[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. ونقل القرطبي عن القاضي أبي بكر بن العربي قوله: «حرمة النبي -صلى الله عليه وسلم- ميتا كحرمته حيا، وكلامه المأثور بعد موته في الرفعة مثال كلامه المسموع من لفظه، فإذا قرئ كلامه وجب على كل حاضر ألا يرفع صوته عليه، ولا يعرض عنه، كما كان يلزمه ذلك في مجلسه عند تلفظه به»[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. والرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- صاحب الشفاعة، والمجيء إليه من أسباب قبول استغفار المذنب الظالم لنفسه بإذن الله تعالى الذي قال في محكم كتابه: ] وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا [ (النساء: 64). وكل ذلك حكمه جارٍ حياة الرسول وبعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى بلا فصل. وقد قال -صلى الله عليه وآله وسلم- حينما أمر بالإكثار من الصلاة عليه في يوم الجمعة المشهود: «أكثروا عليَّ من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة علي». قالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أَرِمْت؟ يقولون: بليت، فقال: «إن الله -عز وجل- حرم على الأرض أجساد الأنبياء»[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. وأخرج أبو داود في سننه حديثين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- رفعهما، وأولهما: «ما من أحدٍ يسلم عليَّ إلا رد الله عليَّ روحي حتى أرد عليه السلام». والثاني: «لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، ولا تجعلوا قبري عيدًا، وصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم»[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. ولهذا لا يشعر المسلم المؤمن أن صلته برسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- منقطعة؛ بل هي موصولة بالصلاة عليه، واتباع سنته وتحري الاقتداء به في كل ما شرعه الله من الأعمال. وهكذا يكون النبي محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- حيا على الدوام في قلوب أمته، والصلاة عليه جارية على الدوام من الله تعالى والملائكة والمؤمنين: ] إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [ (الأحزاب: 56). ولقد عظمت هذه الأمة مكانة نبيها، ورعت حرمتها في حياته وبعد مماته صلى الله عليه وآله وسلم. واجتمعت كلمتها على أن النيل من جنابها كفر بواح يعاقب الله عليه، وتعدٍّ سافر يجب على الأمة دفعه بكل إمكاناتها المتاحة في إطار ما شرع الله؛ مصداق قوله تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا [(الأحزاب: 57). وقوله -تبارك اسمه- في المنافقين المستهزئين بالله ورسوله: ]وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ[ (التوبة: 65، 66). وقوله في حق نبيه: ]إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ [(التوبة: 40). هوس الإساءة ونحن نعيش زمانا كثرت فيه شارات التعدي على الإسلام ورسوله وتشريعاته ومقدسات أمته، التي غدت من أكثر الأمم شتاتا على كثرة أسباب توحدها لو تيقظ أبناؤها، وتمسكوا بحقيقة دينهم، ونصروا أهدافه السامية، وأتاحوا لتشريعاته أن تحكم، ولسنة نبيهم أن تسود بينهم سيادتها في أسلافهم الذين قادوا عالمهم بالإسلام إلى سبيل النور، وأضاءوا له طريق الحضارة التي تحفظ الإنسانية، وتضمن قيم العدالة بين الناس جميعا. ومع ذلك فالعالم الإسلامي الآن ثائر غضبا على الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، التي نشرتها الصحيفة الدانماركية (جيلاندز بوستن - Jyllands-Posten)، قبل أربعة شهور يوم الجمعة 26 شعبان 1426هـ - 30 سبتمبر 2005م. ثم أعادت نشرها مجلة (مغازينت) النرويجية في العاشر من شهر يناير 2006م باسم حرية التعبير، غير عابئة بما سبق هذا التاريخ من تظاهرات آلاف المسلمين واعتراضات عدد من سفراء الدول الإسلامية في الدانمارك في غضون شهر أكتوبر 2005م، ولا بموقف وزراء خارجية الدول العربية في التاسع والعشرين من ديسمبر. ثم طفق عدد من الصحف الغربية يعيد نشر الرسوم مستنكرا موقف المسلمين من حرية التعبير التي ينبغي أن يمهد لها الطريق في دول العالم الإسلامي الذي يرزح بدونها في بحار التخلف؛ لتكون طوق نجاته. فهل نسأل أنفسنا: مم تكون النجاة؟! والحق أنني لم أستغرب هوس الصحف الغربية بإعادة نشر تلك الرسوم الساخرة من نبي الإسلام، ولا سعي القائمين عليها في سبيل ترويض المسلمين وقيادتهم إلى هاوية العلمانية؛ لكن العجب كل العجب من جرأة صحف تصدر في بلاد إسلامية وعربية على إعادة نشر بعض تلك الرسوم!. وثمة أمر آخر لكنه لا يدعو إلى العجب بل إلى الحيرة، وهو سر اختصاص الرسوم الدانماركية بذلك الموقف الحكومي والجماهيري العام، برغم أن هذه الإساءة الأخيرة ليست الأولى ولا الأشد فيما يصيب نبي الإسلام وشريعته من صحافة الغرب وساسته ورجال الدين المسيحي المتعصبين؛ بل من العسكر الذين جعلوا حربهم ضد الإسلام والمسلمين باسم مقاومة الإرهاب حربا مقدسة. وأيا ما كان السبب فقد طفح الكيل وأدرك السيل الذبى، وحان للمسلمين أن يلموا شعثهم، ويتجاوزوا محنة افتراقهم وانشغالهم عن هويتهم الإسلامية الواحدة. ولن يتم ذلك إلا بوقفة مع النفس ومراجعة دقيقة لمجالات التقصير وأسبابه، دون أن نجعل من تجاوزات الآخرين وتآمرهم السبب الوحيد لما نحن فيه الآن. قال العقاد: أنصفت مظلومًا فأنصف ظالمًا في ذلة المظلوم عذر الظالم ويمكننا أن نقول: إن المظلوم الذي لا يسعى إلى حفظ حقه يظلم نفسه مرتين؛ في ترك حقه، وفي إعانة الظالم على نفسه. والقوة لا تعني الاعتداء على المخالف؛ لكنها تحفظ من اعتداء الظالم الجائر، وليس القوي من يأخذ ما ليس له، وإنما القوي الذي يقدر على حفظ ما هو له. ونعم يجب علينا أن ندافع عن عقيدتنا، وعن محبتنا لرسولنا الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم، لكن من الواجب أيضا أن تكون منافع الدفاع أكثر من الأضرار، ومن اللازم أن تكون لذلك الدفاع خطته، لا أن تكون خطواته عمياء عشوائية غير مشروعة تغلب العاطفة فيها عقل الملتزم بالدين. ولقد كان في المشركين من هجا الرسول الكريم وأساء إليه بالباطل؛ فكيف كان الرد والدفاع عن النبي. ذكر ابن عبد البر أن الذين كانوا يهجون رسول الله من مشركي قريش: عبد الله بن الزبعرى، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وعمرو بن العاص، وضرار بن الخطاب. فقال قائل لعلي بن أبى طالب: القوم الذين يهجوننا؟ فقال: إن أذن رسول الله فعلت. فقالوا: يا رسول الله، ائذن له. فقال رسول الله: إن عليا ليس عنده ما يراد في ذلك منه، أو ليس في ذلك هنالك. ثم قال: ما يمنع القوم الذين نصروا رسول الله بسلاحهم أن ينصروه بألسنتهم؟ فقال حسان: أنا لها. وأخذ بطرف لسانه وقال: والله ما يسرني به مقول بين بصرى وصنعاء. وقال رسول الله: كيف تهجوهم وأنا منهم؟ وكيف تهجو أبا سفيان وهو ابن عمي؟ فقال: والله لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين. فقال له: إيت أبا بكر فإنه أعلم بأنساب القوم منك. فكان يمضى إلى أبي بكر ليقف على أنسابهم؛ فكان يقول له: كف عن فلانة وفلانة، واذكر فلانة وفلانة. فجعل حسان يهجوهم، فلما سمعت قريش شعر حسان قالوا: إن هذا الشعر ما غاب عنه ابن أبي قحافة [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. وهكذا نجد عليا الفارس الشاعر الفصيح لم يتعجل الجواب، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يستبعد الفارس المنشغل بالحكمة والعلم عن مهمة تتبع مناقص المشركين ومعارضة قولهم في الرسول الكريم، وحينما انتدب شاعره حسان بن ثابت لم يكتف بكفائته الشعرية الصالحة لهذا المقام، وإنما أحاله على أبي بكر العالم بأنساب القوم ومثالبهم؛ لكي يتمكن من إصابتهم دون أن يمس الرسول الكريم. ونحن اليوم يلزمنا أن ندافع عن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- وننتصف له ممن اعتدى على مكانته؛ لكن دون أن نمس شخصية الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- بسوء، ودون أن ننسب إلى دعوته السمحة ما هي منه براء. إننا بحاجة إلى الرد الفوري، كما أننا بحاجة إلى ما يحفظنا من تكرار هذا السفه في المستقبل. وإذا كانت المقاطعة الاقتصادية الشعبية هي الحل المطروح؛ فهل هي مع الدانمارك ومنتجاتها الغذائية فقط؟! وإذا كان الحوار هو الحل الذي يدعو له ساسة الغرب، فهل يتضمن حوار الأديان أو حوار الثقافات الإساءة إلى عقائد المخالفين، والسخرية من مرتكزات ثقافتهم؟! ويبقى بعد ذلك محاكمة النفس، والثورة الإصلاحية لتقصيرها؛ حتى تبرأ من ضعفها الذي يغري الجائرين ويجعلها لقمة سائغة في أفواههم |