هذا المقال من كتاب لماذا أسلم هؤلاء؟ من الموساد إلىالإسلام
لكاتبه أحمد حامد - مطبوعات الشعب - القاهرة
نُشِرَ في جريدة عُمان - ملحق شُرُفات
يوم الأربعاء 26 من ربيع الثاني 1427هـ الموافق 24 من مايو 2006م - العدد 178
فرانتز هو الإنجليزي الفريد فرانتز، المولود عام 1940م،لأبوين من الأسر الإنجليزية العريقة المتمسكة بتقاليد الأرستقراطية، التي شب عليها،وتمرد عليها وهو في السادسة عشرة من عمره، يريد أن يعيش عمره، بلا قيود تربطه بتقاليد ما عادت لها معنى في نظره، وحاولت أسرته أن تعيده عن شطحاته لكنه تمرد تمردا لا رجعة فيه، فحول القصر العريق، إلى صالة يرقص فيها ويسكر مع رفاق عمره من الجنسين، ونصح المقربون والديه، أن يتركاه لفترة، يعود بعدها إلى صوابه، لكنه إستمرالسهر داخل القصر وخارجه، ولما حان وقت إلتحاقه بالكلية التي لا يدخلها إلا الأثرياء، وأبناء الملوك والسلاطين والرؤساء رفض الإتحاق بها، رغم أنها كانت أمنيته ذات يوم، وبعد ضغوط إلتحق بها، وتعرف على زملائه من أبناء أثرياء العالم، وتوطدت علاقته بأحد الأمراء العرب. راجيا أن يشاركهم نزواته وسهراته، إلا أنه وجده ملتزما بالدراسة لا يقرب الخمر، ولا النساء، ويصلي ويقرأ في كتاب الله، في هدوء. ويقول الفريد: وجدت هذا الأمير، على عكس ما كنت أسمع عن العرب، وبخاصة الأمراء منهم،وأعادني الأمير العربي بتصرفاته والتزامه إلى سابق عهدي، فقد خجلت من نفسي أمام أخلاق هذا العربي، الذي جعلني أفيق من سكرات التمرد، وأعادني إلى ديني، حينما سألته عن دينه فقال لي في هدوء: إعرف دينك أولا والتزم به ثم تعرف بعد ذلك على الإسلام،أو ما شئت من أديان، المهم أن تعرف دينك وتعمل بما يقول به، وتصلي فالأديان جميعا مصدرها واحد، وعلى صاحب أي دين أن يعمل بما يقوله دينه لتستقيم الحياة باستقامته وتمسكه بدينه والعمل به.
ويقول الإنجليزي الفريد فرانتز: ونزلت كلمات زميلي هادئة على عقلي، وبالفعل عدت إلى ديني الذي عرفت عنه، وعدت إلى القراءة في الإنجيل،ورحت أتردد على الكنيسة من جديد، وأدركت أسرتي هذا التغير، فسعد والداي والتزما منأجلي بالقراءة والصلاة، ولما عرفا أن زميلا عربيا مسلما هو الذي أعادني إلى صوابي،طلبا مني توطيد علاقتي به، ودعوته ليتعرفا عليه، وراحا يقرآن عن بلده، ويتعرفان عليها، حتى إذا حضر إليهما تحدثا معه وهما يعرفان تاريخها، وتاريخ حاكمها والد هذاالزميل العربي.
ويقبل زميلي الطالب آنذاك، قابوس بن سعيد بن تيمور، سلطان عمان حاليا، دعوتي لزيارتنا في قصرنا، ويزورنا بالفعل، ولا يبهره القصر بفخامته، ولاالثراء الذي نحن عليه، بل كان عاديا جدا، إبتسامة هادئة، حديث متزن، كل كلمة كأنها موزونة بذهب العالم كله، دون تكلف أو تصنع.
وسعد به أبواي، وسعدا بزمالته لي وصداقته التي فرضتها عليه، فقبلها دون أن يظهر إستياءه، فقد كنت لحوحا وفضوليا،للتعرف على خصوصياته.
وسألته ذات يوم سؤالا إستقبله بغرابة حينما قلت له: هل تصرفاتك هذه تصرفات ولي عهد، أم ماذا؟ أعني نصحك لي فقد تغيرت أحوالي بما أشرت به علي من نصح.
ورغم غرابة السؤال إلا أن إجابته كانت سريعة وجاهزة فقال: ليست أخلاق ولي عهد، كما فهمت، بل هي أخلاق ديننا الإسلامي، فالدين عندنا أخلاق ونصيحة،وقد حدثتك بأخلاق الإسلام، وليس لولي العهد فيها أي مكان، فالكل أمام الإسلام سواء،الملك والسلطان وعامة الناس بالأخلاق الإسلامية وتنفيذها واتباعها، هم ولاة العهدالحقيقي لخالق هذا الكون، فالإنسان في الإسلام هو خليفة الله في الأرض، وعلى من يتعهد أمام الله بالوحدانية، عليه أن يكون ملتزما بكل ما تحمله شهادة أن لا إله إلاالله، وأن محمدا عبده ورسوله، وهما شهادتان من يقلهما بإخلاص، ويتبعهما بسلوك إسلامي مخلص، يكون ولي عهد الله، فالأفراد إلى زوال ولا يبقى إلا خالق هذا الكون الواحد الذي لا شريك له، وإن أردت الإستزادة إقرأ، ففي القراءة عن الإسلام ما يجعلك تحترم أبناء هذا الدين العظيم مهما كان شأنهم، أولياء عهد آبائهم أو أفراد عاديون.
ويقول الإنجليزي الفريد فرانتز: لم أستطع مواصلة تعليمي بالكلية ذات النظام الصارم والدقيق، وتركتها غير آسف إلا على فراق زميلي الأمير العربي الجادوالملتزم بأخلاق دينه.
واتجهت إلى دراسة أخرى في كلية عادية نظرية ودرست فيها التجارة والإدارة لأشرف على شركات أسرتي وأديرها بعد تخرجي ومارست حياتي بعد ذلك وفكرت في الإتصال بزميل دراستي الأولى ولم أستطع بعد ذلك سبيلا فقررت زيارة دولته وجلست أقرأ عنها، وعن الدين الإسلامي الذي يدين به شعبها، فإذا بي أجد أن لها تاريخا يضرب بجذوره في أعماق الزمن وإذا بي أجدهم، كانوا قبل الإسلام يعبدون الأوثان إلى أن حمل إليهم سفير رسول الله إلى ملكيهم "جيفر وعبد" إبني الجلندى اللذين إستقبلا مبعوث رسول الإسلام بحفاوة بالغة، واتبعا على الفور الدين الإسلامي الذي وصلت إليهم آنذاك أصداء وجوده ودعوة رسوله، فجلس إليهم عمرو بن العاص ليشرح لهم تعاليم الدين الحنيف ويعلمهم كيفية السير على نهج قرآن الدين الخاتم وتبع شعب عمان الإسلام بعد ذلك وقال فيهم رسول الله حديثا صحيحا هو: "رحم الله أهل الغبيراء - عمان قديما - آمنوا بي ولم يروني".
ورسالة رسول الإسلام إلى عمان هي: " بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى جيفر وعبد إبني الجلندى: السلام علىمن إتبع الهدى، وبعد، فإني أدعوكما إلى الإسلام أسلما تسلما فإني رسول الله إلىالناس كافة، بعثني لإنذار الناس بما ينتظر الكافرين من عذاب، فإن قبلتما الإسلام كما أؤمل، فإن الله سيدمر ملككما وستدك خيوله أرضكما وسينصر الله تعالى دينه علىمملكتكما".
لقد أعادتني رسالة بني الإسلام إلى سنوات مضت على تعرفي على زميل دراستي الملتزم بتعاليم دينه الذي نصحني وأنا أسأله عن دينه، أن أعرف ديني أولاألتزم به وأعرف بعد ذلك ما شاء إلي التعرف عليه.
ويقول الإنجليزي الفريد فرانتز: باعتباري صرت رجل أعمال فقد قدرلي أن أجوب آفاق العالم من أقصاه إلى أقصاه، وكلمات الطالب العربي الملتزم - قابوس بن سعيد بن تيمور - محفورة في ذهني، يتردد صداها في كل رحلة أقوم بها محلقا من بلدآخر.
وذات يوم قررت التعرف على الإسلام فذهبت إلى المركز الإسلامي في لندن،والتقيت بشيخ جليل وعالم مصري كبير من رجال الأزهر الشريف هو الدكتور عبدالجليل شلبي وجلست إلى الرجل أسأل وهو يجيب برحابة صدر وصبر واتساع أفق، والسعادة ترفرف عليه بكلماته التي يجيبني بها على أسئلتي التي لو سألتها عن ديني لرجل من الكنيسة لضاق صدره بي، لكني وجدت الإجابات من الدكتور شلبي شافية وصابرة أثلجت صدري ولميقطع جلستنا إلا النداء لصلاة الظهر، فاستأذن الرجل ليؤدي الصلاة ولم أنتظره بل ذهبت لأرى الصلاة الجامعة فإذا الكل في خشوع في وقوفهم وفي ركوعهم وسجودهم كأنهم رجل واحد مع اختلاف الجنسيات التي كانت تصلي لكنه كان تواجدا غير عادي بهرني.
وعاج الدكتور شلبي ليكمل لي ما أريد من إجابات عن الإسلام ورسول السلام، كنت أود المزيد من الإجابات لولا أن الدكتور شلبي كان على موعد خارج المركزواتفقت معه على لقاء آخر وتعددت لقاءاتي مع العالم الأزهري الجليل الذي حملني بعض الكتب التي تقدم الإسلام وتعاليمه في يسر وسهولة، ونصحني إن أردت الإستزادة بشراءبعض الكتب الأخرى وكتب لي أسماؤها وأماكن المكتبات التي تبيعها وتعلل بأن هذه الكتب لا توجد بالمركز وإلا ما كان بخل علي بها.
واشتريت الكتب وقرأت وغصنا مع الإسلام في رحلة عظيمة مع سيرة رسوله الكريم، وما كنت أفرغ من كتاب، إلا وأقرأ آخر وما انقطعت جلساتي مع الدكتور شلبي الذي كان سعيدا جدا لتقدم معرفتي بالإسلام وإقبالي على ذلك بكل الحب والمودة والمعرفة وقال جملة جميلة: لقد قرأت عن الإسلام وكتابه بالإنجليزية وصرت بهذا الحب للدين الخاتم، ولست أدري ماذا سيحدث لك، لو قرأت ما قرأت باللغة العربية لعله الإسلام، ساعتها سيحسبك الناس شيخا أزهريا مثلنا،والله نسأل أن يهديك لتعلم العربية فيها تغوص فهما للإسلام ومعرفة بكتابه وسنةرسوله وبسيرته.
ويقول رجل الأعمال الإنجليزي الفريد فرانتز: تعلمت اللغةالعربية لأتعرف على الإسلام بلغته، وأتحدث الآن العربية وأكتب بها وأقرأ بها، كواحد من أبنائها وشعرت بمتعة حقيقية وأنا أقرأ الإسلام والقرآن باللغة التي تحدث بها الوحي إلى خاتم الأنبياء والرسل.
ويوم نطقت قلبا وعقلا وروحا ونفسا وجسدا بالشهادتين شعرت أني أولد من جديد، وأني أزيح عن كاهلي سنوات التمرد لأبدأ حياةجديدة بمولد نظيف جديد خال من الوثنية معترفا بكل ما يملك من جوارح بوحدانية الخالق الخالصة المجردة من كل شك فهو الواحد الذي لا شريك له وهو الذي لم يلد ولم يولد.
لقد وجدت في الإسلام أمانا وحياة حقيقية يتمتع بها المسلم المؤمن المنقذ لتعاليم الدين، المحافظ على سلوكياته فالتطبيق العملي للإسلام، يضفي علىصاحبه وقارا وهيبة وجلالا، نابعين من الإيمان المطلق بالله الذي لا شريك له وبقدرته على الخلق.