السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من منا لم يستمع إلى قصة وحكاية حكتها له والدته أو جدته .. ؟ ؟
من نال هذا النصيب فقد حظي بسماع درة من درر التاريخ ...
فقصص التراث العماني ... قصص مليئة بالحكم، والمواعظ الكثيرة ...
لفتني أحد الآباء ... إقتناؤه لأحد هذه الكتب وهو كتاب: قصص من التراث العماني .. تأليف يوسف الشاروني ...
سألته: ما سبب إقتناؤك لهذا الكتاب؟
قال لي: لأسرد لأبنائي كل ليلة حكاية منه!
أثارني الفضول؟! وقلت له: وهل تجد مستمع من أبناءك لهذه القصص القديمة؟!
قال: بل هم من يطلبون مني كل ليلة قراءة حكاية لهم ... وفي مرات عديدة يطلبون مني إعادة رواية بعض القصص
{ جميـــــــــل ما سمعت، بل والأجمل ما رأيت، إلتمام هؤلاء الأبناء حول والدهم لسماع حكاية اليوم }
أعزائي ... ما أود إيصاله من طرحي هذا:
لما بَعُد عدد من الآباء عن أبناءهم؟
لما أصبحت مهمة التربية ملقاة على عاتق الأم؟
أين هو دور الأب؟
لما شغلتك الدنيا عنهم أيها الأب؟
لما لا نلفت أبناءنا إلى كل ما هو مثير ومفيد؟
لما لا نعرفهم على شئ من التراث الشيق والجميل؟
وبمناسبة طرحي هذا أود طرح حكاية من بين الحكايات اللي أعجبتني في هذا الكتاب وهي حكاية (المغفل):
يحكى أن رجلاً متزوجاً طلبت منه زوجته أن يحضر لها قبل العيد خيوشة (ثوباً أبيض ملوناً بخطوط صفراء)، ولما لم يكن عنده ما يشتري به هذا الثوب فقد أخذ بقرته وذهب إلى سوق نزوى ليبيعها.
وفي الطريق قابلته قبيل سوق نزوى ثلاث فتيات. فلما رأينه قالت الأولى: لي البقرة، وقالت الثانية: لي ما مع هذا الرجل من سلاح كالخنجر والبندقية وحزام الذخيرة. أما الثالثة فقالت: لي الرجل نفسه.
عندئذ اقتربت منه الأولى وسألته:
- يا عمي هل تبيع لي البقرة؟
- أبيعها.
- دون دلالة ولا شلاله؟ (أي دون أن يضيف أجر الدلالة وشيل أو نقل البقرة على حساب المشتري)
- نعم دون دلالة ولا شلاله.
- بكم؟
- وكم تريدين أن تدفعي فيها؟
واتفقا على المبلغ. ثم سحبت البقرة معها وهي تقول:
- إنتظر حتى أحضر لك الثمن.
ووقف ينتظرها ...
وبعد لحظات ألقت البنت الثانية حجراً في بئر قريب فسمع الصوت، ثم سمع صرخة البنت وهي تقول:
_ الأساور وقعت منى في البئر، هل تنزل يا عمي في البئر وتحضرها لي؟
فوافق الرجل ونزع سلاحه وخلع ملابسه ونزل في البئر. فما أحست أنه وصل إلى قاع البئر حتى صرخت عليه تستحثه للبحث عن أساورها، ثم جمعت سلاحه وحملته وذهبت تجري به. وعندما لم يجد شيئاً نادى عليها ليسألها أين وقعت أساورها فلم يسمع رداً.
وبينما هو جالس في حسرة على بقرته وسلاحه جاءت الثالثة تسأله:
- مالك يا عمي تجلس هكذا ساهماً مهموماً؟
- ضاعت بقرتي وضاع سلاحي.
وحكى لها قصته مع زميلتيها، فأبدت مواساتها له قائلة:
- واأسفاه على ما فعلته هاتان البنتان.
- كانت زوجتي تريدني أن أشتري لها ثوباً على العيد.
- لا تحمل هماً، سأذهب معك إلى السوق وتشتري ما تريد على حسابي ونذهب معاً إلى بيتك.
- لكن ماذا نقول إذا رآنا أحد معاً في السوق؟
- قل لهم إنني زوجتك فلا يتعرض الناس طريقنا.
ولم يتعلم الرجل درساً مما حدث له مع الأولى والثانية فوافقها وسارا معاً. فلما وصلا السوق دخلا محل تاجر أقمشة، وقامت البنت بشراء ملابس وأغراض أخرى بقيمة كبيرة، وقالت للتاجر:
_ ليس معنا الآن هذا المبلغ، سأخرج وأعود به، وها هو زوجي باق بالمحل لحين عودتي.
فلما لم تعد بدأ القلق يساور التاجر فسأل الرجل:
- أين النقود وأين زوجتك؟
- لا تحمل هماً، سترجع حالاً.
وجلس ينتظر، لكنها لم تعد حتى حان وقت إغلاق الدكان، عندئذ عاود التاجر مطالبته بالمبلغ، فاعترف الرجل:
- إنني لا أملك شيئاً، وهذه الفتاة ليست زوجتي، ولم أعرفها إلا قبل دقائق من دخولنا عندك.
- لا أصدق هذا الكلام، وأنت مسؤول عن المبلغ، تعال معي إلى الشرطة.
- لا داعي لذلك، عندي قطعة أرض عليها نخيل سأوفيك منها المبلغ الذي تريده.
- ما مساحتها؟ كم نخلة عليها؟
فلما أبلغه مساحتها وعدد نخيلها قال له التاجر - وكان قد أدرك الآن مدى غفلته:
- إذن أكتب لي هذه الأرض فهي بقيمة ما عليك من نقود اشترت بها زوجتك الأغراض التي هربت بها.
- قلت لك إنها ليست زوجتي.
- بل قلت إنها زوجتك عندما دخلت الدكان، وأنا صدقتك، وعندما تهرب بالأغراض تتبرأ منها، لا شأن لي بما تقوله الآن.
وهكذا عاد المغفل بدون شيء: لا بقرته ولا سلاحه ولا أرضه، ولا حتى الثوب الذي طلبته منه زوجته.
غير أنه حدث في الصباح التالي أن أقبلت الفتيات الثلاث وطرقن باب المغفل وهن يتضاحكن ففتحته لهن زوجته، وعجبت أن ترى ثلاث فتيات يسحبن بقرة أشبه ببقرة زوجها، فتساءلت عما إذا كانت لا تزال تحلم.
قالت لها الفتاة الأولى: هذه بقرتكم.
وقالت الثانية: وهذا سلاح زوجك، خنجره وبندقيته وحزام ذخيرته.
وقالت الثالثة: وهذا هو صك بيع الأرض، لقد أعدْتُ المشتريات للتاجر.
وما كادت زوجة المغفل تفيق من هذه المفاجأة حتى كانت هناك مفاجأة أخرى تنتظرها، فقد قدمت لها الفتيات الثلاث خيوشة هدية منهن لها على العيد.
* من كتاب: "قصص من التراث العماني" تأليف يوسف الشاروني، ص41-43.
وعذرا على الإطالة .... قصة قبل النوم
نقووووووووول